هَلوسات شَابٌ يضاجعُ الحمارة ويُدخن الكِـيّف...

الأحدث

6/recent/ticker-posts

هَلوسات شَابٌ يضاجعُ الحمارة ويُدخن الكِـيّف...

هَلوسات شَابٌ يضاجعُ الحمارة ويُدخن الكِـيّف... لا أحد اهتمّ بوفاة كاتب، مصري، مغمور برَّع بشكل كبير في رصّ لبِنات أدب الخيال العلمي، ومال للفانتازيا أسلوباً وحِبكة وسرداً؛ فبوّأته الميزتان مكانة مُهمة ضمن كوكبة كتاب الجيل الجديد.. ربما لأن اسمه الثلاثي المُركب، لن يجلب الجيمات الكثيرة، ولن تُظهر صاحب النعي المُنتشي بتدخين سيجارته بصور برّوفايله.. ويسرق من الماغوط نطراته الناعسة وطريقة التقاطه للسيجارة بفمّه، والذي خصص له حيّزا من جِداره الأزرق؛ لن تُظهرهُ، بمظهر المثقف العميق.. مِمّن يتباهون بحبّ نتشه وفاغنر وتولستوي ودستوفسكي وأمبرتو إيكو.. قد يحسب عليه أنه قد جّن إذ قرأ لذاك الكاتب، ولن يُلتفت لتدوينته التي لن تلقى تفاعلاً كبيراً وتجاوباً؛ لأنه رجل يرتدي نظارة طبية هادئ السريرة، وتلمس في وجهه براءة طفل مريض باللّوكِيميا، حتى وهو يقترب من الخمسين. في الخمسين من عمره غادر أحمد خالد توفيق الدنيا بعد أزمة قلبية مفاجئة. كان طبيبًا بارعاً، عدا أنه فَشل في انقاذ نفسه من الموت، استسلم لعدالة السماء؛ وهو الذي طالما جابه سوّاد الحياة بالفانتازيا والخيال، والهروب لمنفاه الاختياري.. مكتبه المُطل على شارع السيدة نَفيسة، وفي ضوضاء وضجيج المساء، كان يفتح شبابيك نوافذه ويُلّقي بنظره لبعيد.. للمستقبل. ربما كنت أنا سبب موته المبكر هذا وهو في عنفوان عطائه. يبدو على أنه اعتراف بليد! غير أنها الحقيقة. منذ مدة قررت شراء روايته "في ممر الفئران"، ولسبب ما لا أفعل. تارةً تسرقني برودة قنينة جعة اشتهيتها، وفي مرات أخرى، يكون التهاون واللاجدية سبباً يدفعني لتأجيل اقتناء روايته تلك.. اشتريتها البارحة. اشترت والدتي كرتونة تمّر استعداداً لرمضان، وابتعتُ الرواية ذات الحجم المتوسط. كلانا اشترا شيئاً سيُغذيه طيلة أيام الشهر. تفقدتها مستأنساً، وكعادتي كل مرة، قرأت ظهر الرواية، وتصادفت مع تنبيهٍ آمر.. "احترّس... ".. إذ هو الموت من كان يترّبص بالكاتب، ونبهنا جمعياً عدا نفسه. مثل حامل بَـيّرِقَ الحرب، وحين يُقتل بسهم طائش انفلتَ من قوس العدوّ، لا أحد يهتم بانقاده أوإسعافه، يتسابق الجميع للعَلمْ قبل أن يقع أرضا. في سقوطه هزيمة للحرب واندحّار. يموت جندي، عشرة، مئة.. تموت نصف المدينة.. المهم أن يظل بَيرق القتال مُرفرفاً، ففي النهاية، سيحسب المجد للحاكم.. وسيتحمل الجندي مُسقط البَيّرقَ الهزيمة.. مات أحمد خالد توفيق. عرفته مؤخرا، بالصدفة، كنت أتجول بصفحة مصرية على الفايسبوك. شيء ما استفزني في تلك المقولة بالذات دوناً عن غيرها، ولو أنها بحجم حبة خردل، لمَستُ فيها حكمة لم ألمسها في روايات بصفحاتها كلها.. "أكتبوا على قبري.. جَعَلَ الشباب يقرأ".. فِعل متعب أن ترهق نفسك بهكذا عمل . جعل شباب أدمنوا الدردشة، وأغاني هابطة، ومسلسلات مائعة.. وتحبيب القراءة لهم بطريقة ما.. صعب أن تدفع بشابٍ للافتتان برواية بدل نوع جديد من السراويل المُنزلقة أسفل المؤخرة. من السهل أن تجعل شابا يغني، وبأن تدفع بشابة للرقص بإيباحية وغنج؛ عدا أنه من الصعب دفعهم لحمل رواية أو كتاب والتهام كلماته.. وصيته كانت درساً لي، وفكرت؟ بماذا سأوصي أن يُكتب على شاهد قبري حين أموت؟ العملية في حدّ ذاتها منهكة؛ التفكير في عبارة تُخلّد باسمك ما حيّيت.. عند سحبي للنَفسِ الخامس من عودِ السبسي خطرت على بالي وصية.. جَعل الشباب يُدخن الكِيّف.. فما عاد أحد يضاجع الحِمارات.. إلـى اللّقـاء...

إرسال تعليق

0 تعليقات